بقلم : أحمد أحداد بنسعيد "الشخص أم الفكرة"
قد يكون كل ما وصلت إليه البشرية حتى الآن، كان في البداية مجرد أفكار تمت مناقشتها بين شخصين أو أكثر ليتم بعد ذلك تمحيصها وتقويمها، لكن هل كل الأفكار يتم مناقشتها؟ هل تتم مناقشة الأفكار بنفس الطريقة على الدوام؟ لماذا يتم قبول فكرة بعض الأشخاص دون غيرهم ومن دون نقاش في بعض الأحيان؟ كل هذه الأسئلة تحتاج إلى إجابات مقنعة من الناحية العلمية أو بالأحرى تحتاج إلى دراسة، وهناك عديد من الأسئلة في ذات المنحى سيتم طرحها في التالي من الكتابة.
انطلاقا من بعض التجارب المتواضعة في عديد من المجالات خاصة في الدراسة (التعليم من سلك الابتدائي إلى سلك الماستر)، بالإضافة إلى العمل الجمعوي، باعتبارهما المجالين الذين قضينا فيهما سنوات طوال راكمنا خلالها تجارب متعددة ومتنوعة. كلنا نعلم أن في أيام الدراسة يتم تأسيس نوادي مدرسية ونوادي جامعية، وفي الجمعيات يتم تأسيس لجن العمل الدائمة، والفروع، والنوادي الشبابية، وأثناء انخراطنا في هذه المكونات، نقوم ببعض الاجتماعات بين الحينة والأخرى من أجل تبادل الأفكار إما استعدادا لنشاط أو للتداول حول مستجد ، أو حول عدة أنشطة في معظم الأحيان، في الغالب تكون هذه الاجتماعات بطريقة عشوائية من الناحية التنظيمية وبالخصوص في الالتزام سواء في التوقيت أو الموضوع المناقش، لا يتم احترام الوقت المحدد للاجتماع إذ يتأخر أكثر من نصف الأشخاص المعنين بأكثر من نصف ساعة ويزيد، وعند أخذ الكلمة وسط الاجتماع يتم تجاوز المدة المحددة للمداخلة (إن حددت)، كما نجد هناك نوع من " اللاحترام" بين المجتمعين إذ لا يتم احترام المسير في أغلب الأحيان، ويتم مقاطعة المتحدث دون أخذ إذن من المسير وينتج عن ذلك نقاشات ثنائية بن المتدخل ومقاطعه، وهذا النوع من النقاش ، هو نقاش بين متشبث برأي ومتشبث برأي مضاد وفي غالب الأحيان لا أحد منهما مستعد للتخلي عن رأيه، هذه الاعتباطية في التسيير أو بالأحرى عدم احترامه، يؤدي إلى اجتماع مطول دون نتيجة إيجابية في بعض الأحيان، اللهم بعض الاستثناءات التي يمكن اعتبارها حالات شاذة.
أثناء تبادل الآراء والأفكار المطروحة تتم مناقشتها لا بكونها أفكارا عامة ومفيدة، بل يتم "شخصنتها" أي أن الفكرة يتم التعامل معها بطريقة شخصية، كيف ذلك؟ حسنا، رأينا في العديد من الاجتماعات التي حضرناها تمييزا واضحا في التعامل مع الأفكار المطروحة، كل ما كان الشخص ذو طبيعة كاريزمية من الناحية الاجتماعية (النسب، الجاه، الطبقة الاجتماعية)، أو الاقتصادية تكون فكرته قابلة للنقاش أو للتطبيق المباشر، وكلما كان الشخص "من عوام الناس" بتعبير الفارابي يتم إيهامه بمناقشة فكرته وينتهي بها الامر بالدحض.
إذن ليست كل الأفكار تناقش بنفس الطريقة ولا تخضع لنفس المنطق قبل قبولها أو تفنيدها، في بعض الأحيان تكون الأفكار التي تم رفضها أفضل بكثير من الأفكار المقبولة، لكن الصنف الأول يفتقد إلى عامل الحظوة التي يمتلكها الصنف الثاني، إذن فالمتحكم في تقبل الرأي من رفضه هو الانتماء السوسيواقتصادي للشخص وليس مستواه الفكري، الذي يجب أن يكون معيارا للتقييم، بل ونصطدم في بعض الأحيان بحالة أكثر غرابة مما ذكرناه آنفا، ونعني أن يتم اقتراح فكرة من طرف شخص معين بطريقة واضحة وأكثر علمية وعملية، لكن لا يتم التفاعل معها بالشكل المطلوب من طرف الحاضرين، ويحدث أن يتم طرح نفس الفكرة بأسلوب ركيك وغير مفهوم لكن هذه المرة من طرف شخص من ذوو الحظوة ويتم التفاعل معها بشكل مبالغ فيه كما يتم التطبيل وكثرة التصفيق للشخص رغم عدم فهم فكرته بالشكل المطلوب، لكن الفرق بين الشخص الأول والثاني هو المكانة السوسيواقتصادية.
كما قد يتم قبول الفكرة أو رفضها حسب جنس صاحبها، وهذا الأمر ينطبق على المرأة كما الرجل فالتأثير والتأثر هنا لم يعد يقتصر على الحظوة والمكانة الاجتماعية أو " الهيبة الشخصية " كما يسميها لوبون فقط، وإنما تدخل العاطفة كعامل بديل ومؤثر قد يؤدي إلى التحكم في كل مجريات اللقاء بل وحتى في مخرجاته بما فيها القرارات المتخذة، كما أن الأفكار التي يتم بناؤها على أساس عاطفي ربما تفتقد للعقلنة في كثير من الحالات.
هذا المعطى يشير وضوحا إلى الخلط بين النوع الاجتماعي والمفهوم العام للجنس، حيث أن التفكير يطغى عليه جنس صاحب الفكرة لا كيانه وهويته ونمط تفكيره، رجلا كان أو امرأة، وهنا تظهر أهمية العمل على إفهام مقاربة النوع الاجتماعي وإدماجها في أي عملية تنظيمية تتسم بالتفاعلات الاجتماعية.
مثل هذه الممارسات غير المعقلنة أنتجت مسؤولون يسيرون الشأن العام دون كفاءات تذكر، يكفي أن يكونوا ذوو نفوذ اقتصادي دون أي مستوى فكري، والغريب في الأمر أنهم يقررون في أمور العامة مما ينتج عنه تسيير عشوائي يؤدي إلى الإضرار بالمصلحة العامة، وإنماء المصلحة الخاصة (تكريس النفوذ السوسيو اقتصادي).
ما قلناه على الاجتماعات ينطبق أيضا على الانتخابات -لابد أن نوضح أمرا مهما هنا فنحن نتحدث عن البلدان المسماة متخلفة- يتم التصويت للأشخاص بناء على انتماءاتهم العائلية والاجتماعية والمكانة الاقتصادية وأيضا الانتماءات القبلية، أما الانتماء الحزبي يبقى مسألة شكلية باعتبار الحزب مجرد إطار تنظيمي للشخص المرشح لا غير، في بعض المناطق خاصة النائية، ليس هناك أي برنامج انتخابي، يكفي أن ينخرط بعض السماسرة في الحملة الانتخابية (يحترفون فن الخطابة وتكون لديهم علاقات عديدة بذوي النفوذ في تلك المناطق) تكون مهمتهم إقناع المواطنين بالتصويت لفلان مع اختلاق وعود كاذبة، وفي كثير من الأحيان يستعينون بالرشوة من أجل ضمان المزيد من الأصوات، مستغلين الضعف الاقتصادي وتدهور الحالة الاجتماعية للساكنة التي يعتبرونها مجرد "خزان انتخابي" بتعبير عبد الرحيم العطري والتي تخضع بدورها لهذا النوع من الخداع السياسي أو بالأحرى الخطاب الدغمائي.
انطلاقا من بعض التجارب المتواضعة في عديد من المجالات خاصة في الدراسة (التعليم من سلك الابتدائي إلى سلك الماستر)، بالإضافة إلى العمل الجمعوي، باعتبارهما المجالين الذين قضينا فيهما سنوات طوال راكمنا خلالها تجارب متعددة ومتنوعة. كلنا نعلم أن في أيام الدراسة يتم تأسيس نوادي مدرسية ونوادي جامعية، وفي الجمعيات يتم تأسيس لجن العمل الدائمة، والفروع، والنوادي الشبابية، وأثناء انخراطنا في هذه المكونات، نقوم ببعض الاجتماعات بين الحينة والأخرى من أجل تبادل الأفكار إما استعدادا لنشاط أو للتداول حول مستجد ، أو حول عدة أنشطة في معظم الأحيان، في الغالب تكون هذه الاجتماعات بطريقة عشوائية من الناحية التنظيمية وبالخصوص في الالتزام سواء في التوقيت أو الموضوع المناقش، لا يتم احترام الوقت المحدد للاجتماع إذ يتأخر أكثر من نصف الأشخاص المعنين بأكثر من نصف ساعة ويزيد، وعند أخذ الكلمة وسط الاجتماع يتم تجاوز المدة المحددة للمداخلة (إن حددت)، كما نجد هناك نوع من " اللاحترام" بين المجتمعين إذ لا يتم احترام المسير في أغلب الأحيان، ويتم مقاطعة المتحدث دون أخذ إذن من المسير وينتج عن ذلك نقاشات ثنائية بن المتدخل ومقاطعه، وهذا النوع من النقاش ، هو نقاش بين متشبث برأي ومتشبث برأي مضاد وفي غالب الأحيان لا أحد منهما مستعد للتخلي عن رأيه، هذه الاعتباطية في التسيير أو بالأحرى عدم احترامه، يؤدي إلى اجتماع مطول دون نتيجة إيجابية في بعض الأحيان، اللهم بعض الاستثناءات التي يمكن اعتبارها حالات شاذة.
أثناء تبادل الآراء والأفكار المطروحة تتم مناقشتها لا بكونها أفكارا عامة ومفيدة، بل يتم "شخصنتها" أي أن الفكرة يتم التعامل معها بطريقة شخصية، كيف ذلك؟ حسنا، رأينا في العديد من الاجتماعات التي حضرناها تمييزا واضحا في التعامل مع الأفكار المطروحة، كل ما كان الشخص ذو طبيعة كاريزمية من الناحية الاجتماعية (النسب، الجاه، الطبقة الاجتماعية)، أو الاقتصادية تكون فكرته قابلة للنقاش أو للتطبيق المباشر، وكلما كان الشخص "من عوام الناس" بتعبير الفارابي يتم إيهامه بمناقشة فكرته وينتهي بها الامر بالدحض.
إذن ليست كل الأفكار تناقش بنفس الطريقة ولا تخضع لنفس المنطق قبل قبولها أو تفنيدها، في بعض الأحيان تكون الأفكار التي تم رفضها أفضل بكثير من الأفكار المقبولة، لكن الصنف الأول يفتقد إلى عامل الحظوة التي يمتلكها الصنف الثاني، إذن فالمتحكم في تقبل الرأي من رفضه هو الانتماء السوسيواقتصادي للشخص وليس مستواه الفكري، الذي يجب أن يكون معيارا للتقييم، بل ونصطدم في بعض الأحيان بحالة أكثر غرابة مما ذكرناه آنفا، ونعني أن يتم اقتراح فكرة من طرف شخص معين بطريقة واضحة وأكثر علمية وعملية، لكن لا يتم التفاعل معها بالشكل المطلوب من طرف الحاضرين، ويحدث أن يتم طرح نفس الفكرة بأسلوب ركيك وغير مفهوم لكن هذه المرة من طرف شخص من ذوو الحظوة ويتم التفاعل معها بشكل مبالغ فيه كما يتم التطبيل وكثرة التصفيق للشخص رغم عدم فهم فكرته بالشكل المطلوب، لكن الفرق بين الشخص الأول والثاني هو المكانة السوسيواقتصادية.
كما قد يتم قبول الفكرة أو رفضها حسب جنس صاحبها، وهذا الأمر ينطبق على المرأة كما الرجل فالتأثير والتأثر هنا لم يعد يقتصر على الحظوة والمكانة الاجتماعية أو " الهيبة الشخصية " كما يسميها لوبون فقط، وإنما تدخل العاطفة كعامل بديل ومؤثر قد يؤدي إلى التحكم في كل مجريات اللقاء بل وحتى في مخرجاته بما فيها القرارات المتخذة، كما أن الأفكار التي يتم بناؤها على أساس عاطفي ربما تفتقد للعقلنة في كثير من الحالات.
هذا المعطى يشير وضوحا إلى الخلط بين النوع الاجتماعي والمفهوم العام للجنس، حيث أن التفكير يطغى عليه جنس صاحب الفكرة لا كيانه وهويته ونمط تفكيره، رجلا كان أو امرأة، وهنا تظهر أهمية العمل على إفهام مقاربة النوع الاجتماعي وإدماجها في أي عملية تنظيمية تتسم بالتفاعلات الاجتماعية.
مثل هذه الممارسات غير المعقلنة أنتجت مسؤولون يسيرون الشأن العام دون كفاءات تذكر، يكفي أن يكونوا ذوو نفوذ اقتصادي دون أي مستوى فكري، والغريب في الأمر أنهم يقررون في أمور العامة مما ينتج عنه تسيير عشوائي يؤدي إلى الإضرار بالمصلحة العامة، وإنماء المصلحة الخاصة (تكريس النفوذ السوسيو اقتصادي).
ما قلناه على الاجتماعات ينطبق أيضا على الانتخابات -لابد أن نوضح أمرا مهما هنا فنحن نتحدث عن البلدان المسماة متخلفة- يتم التصويت للأشخاص بناء على انتماءاتهم العائلية والاجتماعية والمكانة الاقتصادية وأيضا الانتماءات القبلية، أما الانتماء الحزبي يبقى مسألة شكلية باعتبار الحزب مجرد إطار تنظيمي للشخص المرشح لا غير، في بعض المناطق خاصة النائية، ليس هناك أي برنامج انتخابي، يكفي أن ينخرط بعض السماسرة في الحملة الانتخابية (يحترفون فن الخطابة وتكون لديهم علاقات عديدة بذوي النفوذ في تلك المناطق) تكون مهمتهم إقناع المواطنين بالتصويت لفلان مع اختلاق وعود كاذبة، وفي كثير من الأحيان يستعينون بالرشوة من أجل ضمان المزيد من الأصوات، مستغلين الضعف الاقتصادي وتدهور الحالة الاجتماعية للساكنة التي يعتبرونها مجرد "خزان انتخابي" بتعبير عبد الرحيم العطري والتي تخضع بدورها لهذا النوع من الخداع السياسي أو بالأحرى الخطاب الدغمائي.
احسنت النشر سي احداد
ردحذف